مخاوف على الحدود

المقاله تحت باب  قضايا
في 
05/08/2010 06:00 AM
GMT



 نقاش :
يخشى محللون سياسيون وضباط أمنيون من قيام قوات إيرانية باجتياح حقول النفط العراقية شرقي البصرة بعد انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق، سيما أن البلاد تعيش في حالة فراغ سياسي ودستوري.

وبرزت هذه المخاوف بعد رصد تحركات عسكرية ايرانية على الحدود مع العراق، ربطها محللون بتعثر تشكيل الحكومة العراقية.

وقال حسين علاوي وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين في بغداد أن "تشكيل حكومة في بغداد لا تطابق هوى طهران، أو بقاء البلاد من دون حكومة، او حصول متغيرات إقليمية أخرى، قد تدفع ايران إلى القيام بتحركات عسكرية ضد المصالح الأميركية والأوربية في العراق".

وشهدت الأيام الاخيرة قيام وحدات أمنية عراقية بزيارات استطلاعية لحقل الفكة النفطي. ونشر أربع نقاط عسكرية جديدة لتعزيز التواجد العراقي في هذه المنطقة المهمة التي تضم عدة أبار نفطية وهي تحت حماية فوج شرطة بزركان في العمارة التابع لمديرية شرطة الجنوب ولواء الحدود التابع لقيادة قوات الحدود الفرقة الرابعة المنتشرة في تلك المنطقة" وذلك حسب ما صرح به لنقاش العميد موسى عبد الحسن مدير شرطة نفط الجنوب.

وأضاف عبد الحسن أن "الهدف من نشر النقاط وتعزيز الموقف هناك هو حماية الآبار النفطية وتجاوز بعض الإشكالات الحدودية التي تؤدي في معظم الحالات إلى مشاكل نحن في غنى عنها".

كما أكد مصدر في قيادة قوات الحدود الرابعة أن عمليات إقامة مواقع المراقبة والمراصد وملحقاتها على الحدود العراقية الايرانية مستمرة. وأوضح ان "هناك عقدا مع أحد المقاولين المحليين لإنشاء هذه النقاط على الحدود بين البلدين".

وتأتي مخاوف العسكريين والمراقبين، من تجارب سابقة حاولت فيها الجمهورية الإسلامية السيطرة على حقول نفط عراقية متاخمة لحدودها.

ففي كانون الأول ديسمبر من العام الماضي، توغلت وحدة عسكرية ايرانية تضم 11 جنديا إلى داخل الحدود العراقية وسيطرت على حقل الفكة النفطي في محافظة ميسان جنوب العراق، ورفعت العلم الإيراني في اشارة رمزية إلى سيطرتها على الحقل.

هذا التحرك المفاجئ من نوعه، أشعل أزمة كانت الأولى بين بغداد وطهران منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق 2003. ويومها، لجأ العراق للطرق الدبلوماسية التي أسفرت عن تطبيع الأوضاع الحدودية وانسحاب الوحدة العسكرية، بعد لقاء جمع منوشهر متكي وزير الخارجية الايراني ونظيره العراقي هوشيار زيباري.

ويرى حسين علاوي إن "ايران قد تكرر المحاولة مرة أخرى بعد انسحاب القوات الامريكية لممارسة ضغوط على الدولة الأم للشركات النفطية، التي استثمرت مليارات من الدولارات حتى الآن"، مشيرا إلى أن التحرك الإيراني السابق اتجاه حقل الفكة "كان قد تزامن مع توقيع العراق الجولة الثانية من التراخيص النفطية مع عدد من الشركات العالمية".

وتعوم البصرة على بحيرة من النفط إذ تضم 15 حقل نفط عراقي يتركز فيها الجزء الأعظم من الاحتياطي النفطي في البلاد. وانتهت جولتا تراخيص عقدت الاولى في 30 حزيران يونيو 2009، والثانية في كانون الأول ديسمبر من العام نفسه، بابرام 11 عقدا نفطيا مع كبريات شركات النفط العالمية، وهي شركات بريطانية وأمريكية وكورية جنوبية وصينية وماليزية وإيطالية وهولندية وروسية ويابانية.

وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن أي تحرك إيراني تجاه حقول النفط سيؤثر على الاقتصاد العراقي بشكل عام. ويقول الخبير الاقتصادي جبار الحلفي أن مثل هذه التحركات "ستكون كافية لشل الاقتصاد العراقي المعتمد بشكل شبه كامل على قطاع النفط". مضيفا أن "المستثمر الأجنبي يشعر أصلا بالقلق جراء الوضع الأمني والسياسي غير المستقرين في العراق".

الا ان البعض قد يرى في مثل هذه التحركات العسكرية المحدودة تعبيرا عن القلق الإيراني من جمود قضية ترسيم الحدود بين البلدين.

فهذه القضية أثارت الكثير من النزاعات في تاريخ العلاقات العراقية الايرانية، وذلك الى تاريخ توقيع اتفاقية الجزائر في 6 أذار مارس العام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وباشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، والتي نتج عنها صفقة في صالح ايران بالاتفاق على خط القعر في شط العرب كحدود بين الدولتين مقابل تخلي الشاه عن دعم المعارضة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى البارزاني.

ولكن بعد سقوط حكم الشاه ووصول الإسلاميين إلى السلطة في ايران 1979، ألغى نظام صدام الاتفاقية وكان من تداعيات ذلك الالغاء اندلاع حرب الخليج الأولى التي استمرت لثمان سنوات 1980-1988.

لذا يرى البعض ان "الحل المناسب قد يكون في العودة لهذه الاتفاقية بدلا من الدخول في مفاوضات قد تطول أو تقصر او لجوء إيران إلى حلول عسكرية" على حد تعبير المحلل السياسي حسين علاوي.

على صعيد متصل أكد العميد موسى عبد الحسن مدير شرطة نفط الجنوب وجود مخاوف ايرانية من احتمال بدء دعم أميركي لجماعات "مجاهدي خلق" المحظورة في إيران بعد رفع صفة الإرهاب عنها. وأضاف "من المحتمل ان نتوقع تحركات القوات الإيرانية لتأمين حدودها مع العراق لهذا السبب".

وفي حين أفادت مصادر إعلامية بنوايا إيران إقامة جدار عازل على حدودها مع العراق يمتد لأكثر من 1300 كلم على الحدود بين البلدين، نفى المتحدث باسم السفارة الايرانية في بغداد أمير أرشدي أي تحوطات إيرانية على الحدود العراقية أو إقامة جدار عازل بين البلدين، كما نفى وجود نوايا عسكرية ايرانية للتوغل داخل الأراضي العراقية.

وقال أرشدي في حديث مقتضب مع موقع "نقاش" إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتدخل في الشؤون العراقية" وأضاف "لا يوجود تعزيزات إيرانية على حدودنا مع العراق أو أية نوايا بإقامة جدار عازل والأمور تسير في سياقها الطبيعي".

وأشار أرشدي إلى عدم اهتمام طهران برفع اميركا صفة الإرهاب عن منظمة مجاهدي خلق وأوضح إن "هذه منظمة إرهابية سببت الأذى للشعبين العراقي والإيراني على حد سواء، ولن تكترث إيران ان رفعت واشنطن صفة الإرهاب عنها، وما يقال في هذا الشأن مجرد ادعاءات اميركية".

وبالمثل يميل الرأي الرسمي في العراق للتهوين من شدة هذه المخاوف. فقد أكد اللواء محمد العسكري الناطق باسم وزارة الدفاع أن ما يشاع عن تهديدات إيرانية لحقول النفط العراقية هي "مجرد استنتاجات".

وقال العسكري لمراسل "نقاش" إن "استعدادات القوات العراقية من خلال قوات الحدود والجيش والقطعات الأخرى جيدة ويتم تأمين البلد بصورة فعلية، كما أن حدود العراق وكأي دولة يتم حل مشاكلها من خلال القنوات الدبلوماسية والحكومة العراقية".

كما صرح مسؤول اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة علي غانم المالكي بأن "الحقول النفطية شرق البصرة تقع داخل الحدود العراقية بمسافة كافية لتأمين حمايتها، وهي ليست قريبة من الحدود الإيرانية كما هو حال حقول الفكة".

وأوضح ان "قوات عراقية تنتشر على الحدود وهي متقدمة بضعة كيلومترات داخل الحدود العراقية، ومن خلفها حقول النفط". مضيفا أن الحقول النفطية شديدة التقارب تلك التي مع الحدود الكويتية وليست مع الحدود الايرانية.

وكشف ضابط رفيع المستوى في غرفة عمليات البصرة طلب عدم ذكر أسمه عن "وجود جهد استخباراتي متطور لدى القوات العراقية وأوامر بإعلان حالة الاستنفار في حال تسجيل أية محاولة لاستهداف حقول النفط".

وقال أن إيران سترتكب "خطأ ستراتيجياً" في حال احتلالها لحقول النفط العراقية وأضاف "لدينا القدرات اللازمة لمواجهة هذه التداعيات ولن نقف مكتوفي الأيدي حتى في حال عدم اتخاذ قرار سياسي في هذا الشأن من الحكومة المركزية".

وأوضح الضابط العراقي ان العراق لديه تعهد من القوات الأميركية بمساعدته في مواجهة أي اعتداء خارجي طبقا للاتفاقية الامنية التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة والمعروفة بأسم صوفا، "لذا لن يكون من مصلحة إيران الدخول بمواجهة مكشوفة مع الولايات المتحدة".

غير ان بعض المراقبين يشككون في مدى جاهزية هذه القوات لمواجهة هجوم إيراني منظم. وأكد عباس الجوراني وهو قيادي في الحزب الشيوعي في البصرة هزالة تسليح الجيش العراقي إزاء القوات الإيرانية وقال "لا تستطيع قواتنا بقدراتها الذاتية حماية الحدود العراقية. لقد رأينا ما حدث أثناء الاعتداءات الإيرانية على حقول الفكة، ليست لدينا قوات مجهّزة لصد هجوم إيراني".

كما قال مصدر في قوات شرطة حماية المنشآت النفطية لموقع "نقاش" إن "هناك 30 بئراً على الشريط الحدودي شرق البصرة غير محمية من أية قوة عراقية، والمخافر العراقية القليلة لا تقع وراء هذه الآبار في العمق العراقي بل تسبقها، وهي مناطق وعرة تفتقر إلى طرق المواصلات، كما لا وجود للجيش العراقي في المنطقة"، مشككا في قدرة القوات العراقية على حماية جميع آبار النفط.